غرابيب الأقدار // للشاعر عبدالمنعم سليمان ***

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
قراءة تأويلية لقصيدة "غرابيب الأقدر" للشاعر عبدالمنعم سليمان
بقلم أستاذة الفلسفة/ د : هدير البحر ( تونس)
اتخذ الشاعر منحى فكريا ذهنيا في قصيدته و التي في علاقة وثيقة بالواقع المعاش و ما يواجهه الإنسان من صراع على عدة مستويات. 
حيث يطغى على القصيدة منحى وجودي ذهني ترسم معاناة الذات و تمزقها بين التأصيل الذات و الإنكسار....
... و كأن قسوة الأقدار تجمعت لتدمر حياة البطل و تحبطه. ..
و قد استخدم عدة عبارات تعكس لنا ذلك مثل:. ..العجر. الإنهيار. مسلوب للحقوق ..و الاماني..
الخوف.الحمق.....
و يتواصل هذا النفس التشاؤمي. ..حيث يتجلى بوضوح تمرّد الذات و تساؤلها حول وجودها و المغزى منه...
أين أمضي. .؟ و كيف؟ و لما...و لا أدري. ...
عاجز انا عن الادراك...
منتهى الحيرة و الضياع هذه الحالة التي يعيشها الشاعر؛ البطل الوجودي. ...فينتهي إلى القول..
"أغتيلت حياتي." ...
ينهار البطل و تتراءى لنا المأساة. ..يا ويلي من قدر. ..صيغة الفزع و الهلع و نلاحظ استخدامه لعبارة *قدر * جاءت نكرة ...و يعلن على إثر ذلك خوفه و يصل إلى ذروة التشاؤم و المأساوية و تبدو الشخصية مهتزة و خائرة محطمة. .و تتجلى لنا نفسيته مرهقة يائسة من خلال نزفه على أوتار التناقضات و قد أبدع الشاعر ؛قمة التألق في قوله : "أترون أنني خائف و مما؟ و إن كنت. ..فماذا يجدي..فحمق أن أخاف و حمق ألا أخاف و جبن أن لا أواجه. ....و التحدي عين الإنتحار." ..و تتنمر التساؤلات في ذهن الشاعر و الحيرة تمزق كيانه. فالإنسان كائن يتأرجح بين الحيوانية و الألوهية . بين التشاؤم و التفاؤل بين الخيبة و الأمل . بين الفشل و النجاح . بين النقصان و الكمال........... 
فتزداد حيرته و تساؤلاته........ما الجدوى من الحياة إذا كانت محكومة بالظلم و القهر و الضياع ... فيشعر أنه مجبر و ليس له الحرية: لا في الإختيار و لا في القرار في تحقيق مصيره ...ما قيمة هذه الحياة و لما نعيشها....؟؟
و هذا تساؤل المفكر البار كامو :هل الحياة جديرة بأن تعاش. ..؟؟
ما الذي يشدنا إلى الحياة طالما هي عنوانها المأساة غرابيب الأقدار. ..؟؟؟؟ و هو إشارة إلى القتامة و السواد العبارة ذكرت في القرآن الكريم في سورة فاطر(27) جبال طوال سود .. فهذه الأقدار توشحت بالسواد و الظلمة و القتامة ..فكانت بلاءً لا مفر منه بنظر الشاعر....
هذا الصراع الداخلي الذي يعيشه البطل هو ذاته الصراع الواقعي في الحياة الاجتماعية و الإقتصادية و الثقافية و الأخلاقية. ..حيث تراجع القيم و المباديء الإنسانية و تقهقر البشرية نحو المهانة و الذلّ و سيطرة الإنسان على الإنسان و هذا ما يسمى ب "الوحشية الجديدة "و عصر العقلنة و الاستلاب على حدّ عبارة هاربرت ماركوز.
صرخة تصدح من أعماق الشاعر تصدر من كيان المفكر اليوم مدوية تكشف عما يختلجه ألم و وجع إزاء ما يحدث للإنسانية من انتهاكات تقتيل و تشريد و عنصرية و عبودية. . تصفيات دينية عرقية حروب.....الإنسان بالأمس ليس أفضل من حاله اليوم. ...في عصر العولمة و التطور الهائل للعلم تزخر مجتمعاتنا تحت وطأة الإرهاب في الحقيقة هو بالجريمة المنظمة. ... و ترويج تجارة مربحة. ...و ابتلع شبابنا الطعم و أصبح الأخ يصفي أخاه بإسم الدين ....و بئس المصير. ...
...و هذا المقصود بدم الإنسانية المراق. ..
منتهى الجمالية في التعبير و الأساليب الفنية المعتمدة من قبل الشاعر و حنكته في انتقاء عباراته و تألقه في حسن توظيفها كما أبهرني حقا حينما فتح أفق التنوع لأكثر من قافية و هامش الحرية لتعدد الإيقاع هو في حد ذاته يعكس لنا ذاتية الشاعر الفنان و التّذوق الجمالي في بعد الإستيتيقي للقصيدة ككل..
و في الحقيقة من أجمل النصوص الأدبية هي تلك التي تتخذ من الشعر أيضا فضاء فكريا ذهنيا لنقد الواقع و لما لا معالجته ...
و في هذه القصيدة استطاع الشاعر أن يتحرر من اللحظة الأولى لحظة الإحباط و الضياع و العجز ليبصر ....و إذا أشار لعجزه عن الإبصار فلأن البصيرة أُغشيت بسبب الأوجاع و مآسي تدمي قلب الشاعر ....فإن أمله هو الابصار صورة مجازية رائعة ... و نور البصيرة كفيل بأن ينير له دروب الحقيقة و الخلاص .. و هكذا يعانق الأمل كشعاع ينبجس في خضم هذه الظلمة و الحيرة القاتلة......
و هذا ليس بغريب على المثقف الحقيقي العضوي بلغة ماركس. لا يكفى النقد أو التشكي و التبكي من سلطة الواقع و قسوة القدر و جبروت الأوضاع ..بل الأهم هو البحث عن البديل و التغلب على الظلم و أن نرسم بذواتنا مصيرنا و نثبت وجودنا و شرف الإنسان في المحاولة و عدم الاستسلام .. 
و هنا نشير إلى الرسالة التي اضطلع بها البطل و محاولاته الجبارة لتقديم الأفضل و إنقاذ الأنسانية ...فخاض تجارب الترحال و السفر و البحث.. ليوقف الدمار و يتصدى للآفات التي دمرت القيم و اراقت دماء الانسانية ..و فرقتهم ...
قائلا:أجوب الأفاق أسائل الأمجاد عن قيم اندثرت
أشد الرحال عبر العصور محملا بالأماني توقا 
لانعتاقك ياريحانة الأفكار من بوتقة النسيان..
و عليه فإن مهمة البطل أن يعيد للحياة بهجتها و عنفوانها فتزهر و تتحرر من الظلمة و قد أعلن أن المقاومة لا تكون إلا بالتحدّي و الإستمرار في المحاولة ... رسالة الشاعر هي الحب و السّلام و الكرامة ...و تأصيل كيان الإنسان في الوجود و العالم . يقول الأديب التونسي محمود المسعدي: " اجعل حياتك فجرا ما استطعت " ..مؤشرات التفاؤل و الأمل تتراءى لنا في آخر القصيدة لتكون منفتحة على أفق المستقبل و استشراف ما هو أرحب و خصب للإنسانية. ...
و شاعرنا الملتزم كرس حياته لفلسفة الفعل و الإرادة و هذه خاصيات البطل الوجودي في الفلسفة الوجودية رحلة البحث متواصلة ليست من اجل ذاته بل من أجل الإنسانية و إرساء القيم النبيلة و الدفاع عن كرامة الإنسان يقول الفيلسوف الفرنسي جون بول سارتر " يُعرّف الإنسان بمشروعه" ؛و يتحرر من سلطة القدر و يرسم اختياراته بذاته و يكون مسؤولا عنها ...و تتوّج تساؤلاته بقدرته الذاتية و مجهوده الخاص في رسم خارطة وجوده و توعية الإنسان و الحث على اليقظة و التفكير الذاتي....
_________
أرجو أن تنال رضاك قراءتي المتواضعة لجميل بوحك و ثنايا عباراتك شاعرنا الملتزم و الف شكر لك و لحرفك الزلال سمح لنا بهذه المعايشة الجدية و الثرية لنصك الباذخ....دام اليراع .خالص تحياتي و تقديري لكم استاذنا الجليل الخلوووق 
__________________________________

القصيدة: غرابيب الأقدار للشاعر عبدالمنعم سليمان
غرابيب الأقدار

أأغتيلت من فوق دربي الشموس والأقمار
أم حطت فوق كاهلي غرابيب الأقدار
أم من فرط حزني على ايامي الذبيحة 
خرق الدمع مقلتي فعجزت عن الإبصار
أين أمضي ؟ وكيف ! ..ولما ... لا أدري 
عاجز أنا عن الإدراك إلا الإنهيار
أغتيلت حياتي وفي أحشائها الأماني
يا ويلي من قدر سلبني حق الإختيار
************** 
أترون أنني خائف ومما ؟ وإن كنت... فماذا 
يجدي فحمق أن أخاف وحمق ألا أخاف
وجبن ألا أواجه ... والتحدي عين الإنتحار
لارادع للذئاب إذا أحكمت أنيابها على الخراف
أحتاج جرو جنون ليرد عني الأفكار الجائعة 
علي أنجو من حيرة التساؤلات والإنحراف
وهل من نجاة لسفينة تمضي بعرض البحر
بغير قبطان أو أشرعة غير الغرق والإنجراف
*****************
أجوب الأفاق اسائل الأمجاد عن قيم اندثرت 
وأقصاء الشعوب عن دم الإنسانية المراق
أي لعنة هذة أطاحت بكبرياء البشرية
تمزق فيها بسياط المذلة والمهانة تساق
أفة تخللت فينا تلتهم منا الأخضر واليابس 
لازهر لاثمر لا شئ يدعى الفضيلة والأخلاق
عصفت بنا النوائب أحدثت شرخا في شرايين
الحياة فأزهقت الأرواح تفرقنا والأعراق
*******************
أعانق شعاعا ينبجس لي أملا ينير دروب اليقين
يحرر صرخة مكتومة في صدري أدمت الأذهان
أشد الرحال عبر العصور محملا بالأماني توقا 
لانعتاقك ياريحانة الأفكار من بوتقة النسيان
أرسم خارطة بنبضي عنوانها الحب والسلام
شيدتها بدمائي راجيا أن تستمر على مر الزمان
ولا تستقيم المقاومة إلا بإعلان شرف المحاولة
في تقرير المصير علنا نعيد كرامة الإنسان
كلمات /عبدالمنعم سليمان 25/7/2016
التصنيف : |
هام : هذا الموضوع ضمن تصنيفات الجريدة يحيى خضر روائع الشعراءضع ابداعك هنايحيى خضر زيارة صفحة الخصوصية
نسخ الرابط
نسخ للمواقع
التعليقات
0 التعليقات

احدث المواضيع

3efrit blogger 

عدد زوارالجريدة

اضغط اعجبني

المواضيع الأكثر قراءة و مشاهدة في كل الوقت

احدث المواضيع

المواضيع الأكثر قراءة و مشاهدة في أخر 30 يومًا

ارشيف الجريدة

جميع الحقوق محفوظة © يحيى خضر
تصميم و تطوير : يحيى خضر
يحيى خضر © 2016