قصة قصيرة بعنوان:(((العمر لا ينتظر))) بقلم الأستاذ:بن عمارة مصطفى خالد.

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
قصة قصيرة بعنوان:(((العمر لا ينتظر)))
(عليك أن تذهب إلى المستوصف) استطردت (هند) إلى (يحيى) بعدما لمحت على محيا زوجها ارهاقا
و تعبا شديدين لم تعهده فيه قبل هذا،و لكنه أطرق و هز رأسه رافضا.كانت (هبة) في ربيعها الخامس لا تزال لا تعرف للدنيا إلا وجهها المبتسم و ربيعها الزاهي لذا فكانت تلعب بدميتها المصنوعة من القماش و تتحدث إليها و تجيب مكانها في مونولوق صبياني فتراها مرة تضحك معها و مرة تغضب منها و مرة تحنو عليها حنو الأم على وليدها فكانت تتمنى أن يكون لها ولدا أو بنتا تهتم به و ترعاه و تستأنس به. أما أخوها (أحمد) فبدأ يكتشف الحياة شيئا فشيئا بعد أن أكمل عقدا كاملا فنظرته لم تعدو نظرة لعب فحسب بل بدأ الجد يسبغها و يعطيها نكهة خاصة و طفقت الأمور التي كانت في غاية البساطة يوما تبدو بين عينيه في غاية الأهمية الآن،فبدأ يعي كل ما يجري في عائلته من عوز و فاقة لذا فكان يريد أن يخرجها من ذلك المستنقع و يرفع من شأن أسرته بعد ذهابه إلى الخارج وقتما اشتد عضده و صار مؤهلا لذلك.
كانت أسرة (يحي) سعيدة رغم كل شيء فالبسمة لم تكن كالضيف بل كانت كالمقيم بينهم،و لأن دوام الحال من المحال فإذا بتلك البسمة تذوب ذوبان الشمعة بالنار فالنار كانت موت رب الأسرة ذات مساء فعوض أن تستقبله باللثم و العناق قابلته بالنحيب و اللطم و العويل فقد عاد جثة هامدة من الحقل.فكيف لا و ليس لهم معيل لهم و لا سند غيره. 
بعد مرور أيام قلائل على وفاته قررت (هند) أن تعمل لتعيل ولديها:فعملت في الحقل حتى كلت و في البيوت حتى ذلت.و فوق كل هذا،إصابة (هبة) بمرض عضال أقعدها في البيت مطلقة مقاعد الدراسة.
و في ذات مرة،اقترب (أحمد) من أمه و دمعته تسبقه فجثا على ركبتيها حيث تجثو و مسك بكفيها يقبلهما 
قائلا:( سأسافر يا أماه ) فلا يمكنني أن أبق مكتوف اليدين و الحال كما ترين و قد بلغت الثامن عشر شتاء لا يسر عدوا و لا صاحبا.فكوني صافحة لي يا أمي مسامحة علي أكون لكما عونا........كان يتكلم و الدموع تتهاطل من عينيه هطول الودق فصل الشتاء.أما أمه فكانت مشدوهة مذهونة لا تصدق ما تسمع مما يقول فأفاقت بعد إطراقها و قالت:و أتريد أن تتركنا و أنت رجل البيت و بك نحتمي من أرزاء الدهر و أنياب الزمان؟؟فرد:و لكنني كالبالون المنفوخ بالهواء فحسب لا أسمن و لا أغني من جوع.بالله عليك يا أماه دعيني أذهب و أنقص عليك فردا عاطلا.فهزت رأسها إيجابا و هي لذلك كارهة و حسبتها وافقت مرغمة لتتركه يرى مستقبله.فهذه هي الأم تؤثر أولادها على نفسها.
ذهب (أحمد) إلى أوربا في يوم كان عنوانه البكاء فغرقت الأم و ابنتها في سواد حالك ليال متتالية،لا يؤنسهما إلا تلك الكتب التي كان يبعثها لهم تواسيهم إلى أن انقطعت سنة كاملة توفيت فيها البنت على سرير المرض فبكت عليها (هند) ما شاء الله لها أن تبكي حتى أضحت ضريرة لا يعولها إلا أهل البر و الاحسان.
و في ذات ليلة طرق باب الأم الضريرة فقامت من مجلسها تتحسس الجدران التي رحمتها زمنا و كانت أنيسها أعواما حتى وصلت إلى الباب فدلف منه شاب كانت تبدو عليه ملامح الغنى و الثراء فسألته:من تكون يا هذا فلم ينبس ببنت شفة كان يتأملها و يبكي لسحنة خط عليها الحزن كل خطوطه القاتمة فأخذ كفيها و راح يمرغ وجهه عليهما راكعا و إذا بالعبرات تسكب على رأسه فقال:أماه.فلم ترد.و إذا بها تقع على الأرض الصلبة الحانية التي ستعانق كل البشر.فقال صارخا:و هو يحملها بين يديه:لا يا أماه لا تذهبي الآن فقد جئتك بالمال الكثير و الفراش الوثير لا تذهبي و تكوني قاسية علي كما كنت قاسيا عليك و الأمهات لا يسأمن من عبث أولادهن حتى و لو كان مؤلما.فبكى و بكى و لكن ليت شعري أن ينفعه البكاء بعد فوات الأوان. 
.........بقلم الأستاذ:بن عمارة مصطفى خالد.
التصنيف : |
هام : هذا الموضوع ضمن تصنيفات الجريدة يحيى خضر روائع الشعراءضع ابداعك هنايحيى خضر زيارة صفحة الخصوصية
نسخ الرابط
نسخ للمواقع
التعليقات
0 التعليقات

احدث المواضيع

3efrit blogger 

عدد زوارالجريدة

اضغط اعجبني

المواضيع الأكثر قراءة و مشاهدة في كل الوقت

احدث المواضيع

المواضيع الأكثر قراءة و مشاهدة في أخر 30 يومًا

ارشيف الجريدة

جميع الحقوق محفوظة © يحيى خضر
تصميم و تطوير : يحيى خضر
يحيى خضر © 2016