قصة قصيرة بعنوان:(((غـــدر الأيـــــام))) بقلم الكاتب:بن عمارة مصطفى خالد.

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
قصة قصيرة بعنوان:(((غـــدر الأيـــــام)))
صادفتها و هي خارجة من باب الشركة الأجنبية التي أعمل بها،(دليلة) في عقدها الثاني أو تزيد بسنوات قليلة على ذلك،مليحة الوجه،جميلة السمت،ملبسها يدل على فقر حالها و عوز وضعها كانت تعمل كمنظفة و الجميع كان يحبها هنا و يحنو عليها بكلمة مؤنسة أو بضحكة عطوفة،علها تخفف عنها ما تكابده إلا أنني كنت أرى في أعماق عينيها الزرقاوين ظلام القاموس و سواد الليل فكنت أمتنع من التقرب منها،و لكن عبثا حاولت فخافقي كان يدنيني منها كل يوم أكثر فأكثر حتى وجدتني أراها أمامي و هي غائبة و أشتاق إليها حين طرفة المقلة و تنهيدة الصدر،أحببتها أجل قد حركت فؤادي بل زلزلته فقررت أن أصارحها بحقيقة مشاعري ففعلت ذات مرة و هي داخلة إلى الشركة التي أعمل بها كعون أمن،فرفضت ذلك و صدتني عن بغيتي فحز في نفسي ما فعلت و لكنني كررت طلبي ثانية فقبلت بعد إلحاحي الشديد و راحت تعطيني موعدا خارج العمل فكان لها ما أرادت.
جاء اليوم الموعود فالتقينا في حديقة جميلة جمال الربيع و أحسست أن كل شيء مغتبط باغتباطي فرح ببداية سعادة لم يكن لي عهد بها قبل هذا ولم تغن عصافير أضلعي لحنا جميلا كهذا،و لما قدمت دليلة كل شيء سكن حتى الوقت توقف فلم أعد أرى إلا ذاك الجمال و الرقة ذاك الملاك البهي،فحيتني و حييتها فجلست و جلست،أردت التكلم و إذا بلساني قد عقر و لم يلد كلاما فإذا ببسمة خافتة تدلت على شفتها و استطردت:أنا أعلم أنك بحالة من الخجل تجعل لسانك لا يطيع قلبك فقد علمت من بعض عاملات الشركة بأنك خجول أمام النساء لا تجرؤ الحديث أمامهن و لكنني طلبت منك هذا الموعد لتسمع لا لتتكلم و لتعرفني جيدا قبل أن تعفر قلبك بالوحل أكثر مما هو عليه الآن لعلك تفيق من حلمك المزركش الملون اسمع قصتي ثم افعل ما تراه مناسبا:(جئت من أرض غير هذه كان لي فيها عائلة و أنا بنتهما الوحيدة،أبي رجل متدين محافظ و أمي كذلك،ربياني تربية حسنة تربية دينية و كنت من الأوائل في دراستي سواء أكانت الابتدائية أو الاكمالية و حتى الثانوية و لكنني كنت مرحة إلى حد كبير إلى درجة أنني تمردت على عائلتي و نزعت الحجاب نكاية و صاحبت الشبان و لكن والدي كان يثور في كل مرة ضد تصرفاتي إلا أن ضاق ذرعا و طردني فصرت أتعثر من مكان إلى آخر و الشارع مضجعي إلى أن وصلت إلى هذه الأرض التي احتضنتني كما احتضنتني العجوز الوحيدة التي جعلتني بنتا كما جعلتها أما فوجدت لي هذا العمل الشريف أقتات منه أسد به رمقي و رمقها و أكف أنياب الزمان عني و لكن رغم أنني أنست بعيشتي هاته إلا أن صدري به جذوة نار تتقد من غضب عائلتي و لن تنطفئ و تبرد حتى ترضى عني،هذه هي قصتي فافعل ما تراه)
قد كنت أسمع كلامها و أنا صامت لا أنبس،لم أجسر أن أقاطعها و لا أعرف لم؟فهو إحساس مختلط بين الدهشة و الذهول و بين الاحباط و اليأس،فكلامها كان صريحا مسترسلا مبللا بالعبرات،و إنا لكذلك حتى وقفت و قالت:(أعرف أنك لا تستطيع البت في أمر كهذا الآن فالأمر يستدعي التبصر و التمحيص لاستخلاص نتيجة مفيدة) فرددت:أجل أنت محقة فيما تفضلت به لذا سأرد عليك في الوقت المناسب.
و بعد يومين التقينا في نفس المكان و الرد بجعبتي فقلت لها:سأخطبك و لكن شرطي الوحيد هو رضى عائلتك عنك و مباركتنا الزواج،فحركت رأسها إيجابا قائلة:(حسنا،و لو أنني أعرف بأن أبي قد تبرأ مني إلى الأبد،لأنني حاولت مرتين قبل هذا و طردني صاغرة ذليلة.فرددت:(افعلي ذلك من أجلي و ألحي أكثر مما سبق عساه يقبل منك هذه المرة)
بعد يومين من لقائنا هذا أصبت بوعكة صحية فدخلت المستشفى أسبوعا كلمتني فيه دليلة تبكي بأن والدها طردها رغم أنها جثت على ركبتيها و قبلت قدميه و لكنه دفعها و هو يقول:( لم أنجب أولادا) و مضى،و بعد أن اضطجعت السقم أسبوعا آخر بالبيت،رجعت إلى العمل،فإذا بعمال الشركة ينظرون إلي نظرة شفقة كنت أظنها شفقة على داء جسدي و لكنهم كانوا على قلبي مشفقين،فعرفت بعد ذلك أن دليلة قد انتحرت،فبكيتها و تحسرت على حياتها و على موتها.و في اليوم التالي حضر أبوها ليوريها الثرى و هو يذرف من الدمع ما يذرف و يقضم أنامل الندم و الحسرة و هو يردد:(أنا من قتلت ابنتي الوحيدة).
******بقلم الكاتب:بن عمارة مصطفى خالد.
التصنيف : |
هام : هذا الموضوع ضمن تصنيفات الجريدة يحيى خضر روائع الشعراءضع ابداعك هنايحيى خضر زيارة صفحة الخصوصية
نسخ الرابط
نسخ للمواقع
التعليقات
0 التعليقات

احدث المواضيع

3efrit blogger 

عدد زوارالجريدة

اضغط اعجبني

المواضيع الأكثر قراءة و مشاهدة في كل الوقت

احدث المواضيع

المواضيع الأكثر قراءة و مشاهدة في أخر 30 يومًا

ارشيف الجريدة

جميع الحقوق محفوظة © يحيى خضر
تصميم و تطوير : يحيى خضر
يحيى خضر © 2016