رفقاً بالقوارير (قصة من واقع الحياة) بقلم : هويدا حسين أحمد

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
هويدا حسين احمد: لم تكن المرة الأولى التي يضربني فيها أبي بهذه الطريقة الوحشية التي دوماً ماتجعلني طريحة الفراش… كان والدي فظاً غليظ القلب يعاملني كأنني بهيمة يرعاها، ولا يعاملني كإنسانة لديها مشاعر وأحاسيس، متناسياً تماماً وصية رسولنا الكريم: رفقاً بالقوارير. فأنا الوحيدة في خمس صبيان مما جعلني أذوق الأمرين في معاملة أبي واخوتي لي … كنت أعاني -كثيراً- من تعاملهم معي مما سبب إصابتي بنوبات عصبية جعلتني أتردد كثيراً على الأطباء النفسانيين … فحكايتي تبدأ في كل صباح، أستيقظ مبكراً قبل اخوتي، أجهز ملابسهم والقهوة ووجبة الإفطار دون سماع كلمة إمتنان ترفع قليلاً من معنوياتي، ثم أجهز نفسي للعمل الخارجي الذي كان منفذي الوحيد من إخواتي وقساوة أبي … ورغم أن وظيفتي كانت حساسة، إلاّ أنني كنت دوماً أفصل ما بين العمل والمنزل، لذلك نجحت وتفوقت في مجال عملي … لم يكن أحد يهتم بي سوى أخي التوأم الذي كنت أركض عليه كلما ضاقت بي الدنيا، وأما أخوتي الباقين - كعادتهم- لا يعرفونني إلاّ بداية الشهر لأخذ ثلاثة أرباع الراتب .. مرت الأيام متثاقلة تحمل قسوة في تزايد مستمر … وتزوج أخي الأكبر الذي كان أشدهم قسوة .. وجاءت زوجته -بعد ذلك- لتعيش معنا في المنزل، والغريب في الأمر كان والدي يعاملها بلطف أكثر مني… وأنا لا أنكر فهي كانت لطيفة وخلوقة وراقية جداً في تعاملها معي، وحتى حينما كان أخي يريد -كعادته- أن ينقض علي، تمسكه وتوبخه فهو كان كالطفل بين يديها وكيف لا وهي أم الولد.. …مرت السنوات تتلوها السنوات وأنا مازلت أنتظر بصيص الأمل الذي يخرجني من هذا المعتقل الى أن جاءني زميل لي في العمل لطلب يدي من والدي، كان مظهره الخارجي مريح قليلاً، بمعنى أنه ليس بمواصفات فارس أحلامي الذي كنت أنتظره، ولكنه ليس مهم، فالمهم الأخلاق والتعامل اللطيف ..فهو بصيص أمل لابد لي التمسك به رغم الذي كنت أسمعه من بعض الزملاء ولكني جعلت في أذني أقفالا، فعمري تأخر في الزواج غير الضغط الذي أجده في منزلي مما كاد أن يتسبب في جنوني. كثيراً ما حاولت أن تقنعني صديقتي أن اتراجع عن الموضوع قبل فوات الأوان، لكنني كنت أدخل عليها بحجة أنه ( مطوع ويصلي) وهذا يكفيني. أكيد سيخاف الله فيني .. وكان تفكيري كله حول كيفية الخروج من منزل العائلة .. ويكون لي منزلاً مستقلاً يحميني من شرهم.. مرت الأيام وتزوجنا، وكانت السنة الاولى أجمل أيام حياتي. فقد أصبحت لي ممكلتي بعيداً عن تسلط العائلة الكريمة ..لكن سرعان ما أنقضت السعادة وظهر الوجه الأخر للزواج ..فكان تسلط زوجي علي أكثر بكثير من تسلط والدي وأخوتي الثلاثة ..حيث كان تعامله فظاً جداً جداً لا يعرف في الدين سوى (واضربوهن) .. و (وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية) .. و (الرجال قوامون على النساء) .. و (لو كنت آمراً أحداً بالسجود لغير الله لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها) فقط .. غير ذلك فأنا ليس لي أية متطلبات لدرجة أنه منعني من مزاولة مهنتي التى أعشقها، حتى اني حينما طلبت منه أن نذهب للعمرة، كانت له كثير من الحجج الواهية التي لا تدخل في عقل الصغير ..مجرد أنه يجدني في المنزل وجميع إحتياجاته اليومية كاملة كان ذلك يشعره بكثير من السعادة والإستقرار.. والغريب في الأمر أنه لم يزرني أحد من أخوتي غير مرات قليلة جداً عدا أمي وأخي التوأم فكانت زياراتهم متوالية .. فكرت كثيراً في الطلاق ولكني وجدته ليس حلاً فأنا سأرجع الى المعتقل الذي كنت فيه .. وأنا في منزلي أحس أنني حرة طليقة حتى لو لم أخرج أو أعمل ..كنت أفكر أنه طالما أنه يوفر لي المال، فلماذا العمل والإرهاق؟ حتى تلاشت فكرة العمل من رأسي شيئاً فشيئاً دون إقتناع تام ولكنني أنا أنثى تود أن تعيش بسلام، فبدأت أفكر بطريقة أخرى لا تستوجب منه أن يضربني .. فأنا ليس لدي من يدافع عني، حاولت أن أصحح مفاهيم خاطئة تربى عليها ولكن لا جدوى.. حتى عزلت نفسي عنه تماماً هو في غرفته وأنا في غرفتي .. فحينما يأتي موعده أدخل الى حجرتي بعدما أكمل جميع واجباتي تجاهه.. ومما ساعدني في اتخاذ هذا القرار ضعف الوازع الديني عندي، ووسائل الاتصال التى لطالما هدمت منازل وفرقت عوائل .. رجعت -من جديد- أتواصل مع طبيبي النفسي، وكنت أعلم كثيراً أنه لا ينظر الي كمريضة بل كإمرأة أولاً وثانياً كزميلة ….مرت الأيام متتالية لا أعرف شيئاً عن زوجي سوى أشياء بسيطة، وكأنني جارته وليس زوجته، فقط أؤدي مهامي كخادمة وأهرع الى التواصل مع طبيبي النفسي.. الذي سرعان ماتطورت علاقتي به حتى أصبح التواصل من دردشة الى إتصال، ومن إتصال الى مقابلة حتى أصبحت بالنسبة له مجرد تسلية وما عدت بالنسبة له كالسابق ..حيث كان بيننا كثير احترام، فقد كان ينظر إلي كنجمة .. أما بعد خيانتي لزوجي معه، أصبح ينظر الي كخائنة وحسب لم يعي ما أوصلني لذلك... إنتهى
التصنيف : |
هام : هذا الموضوع ضمن تصنيفات الجريدة يحيى خضر روائع الشعراءضع ابداعك هنايحيى خضر زيارة صفحة الخصوصية
نسخ الرابط
نسخ للمواقع
التعليقات
0 التعليقات

احدث المواضيع

3efrit blogger 

عدد زوارالجريدة

اضغط اعجبني

المواضيع الأكثر قراءة و مشاهدة في كل الوقت

احدث المواضيع

المواضيع الأكثر قراءة و مشاهدة في أخر 30 يومًا

ارشيف الجريدة

جميع الحقوق محفوظة © يحيى خضر
تصميم و تطوير : يحيى خضر
يحيى خضر © 2016