فتى الخدمة _ بقلم محمد عبد الدايم الرزيقي

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
فتى الخدمة
الزحام شديد حول حوض المياه ، سور بطول قدم تقريبا يحيط بحائط عريض ثبتت فيه صنابير من الجهتين يغذيها مصدر مياه يقطع عرض الشارع قادما من الصهريج الكبير على رأس الطريق ، وشجرة سدر عجوز تلقى بظلالها على نصف الحوض صباحا وتهجره تماما عند الظهيرة وتعود لترمقه بعطفها أخر النهار ، الناصحون والمعتادون على ملء جراكنهم وجرادلهم من هذا النبع الصناعي يعرفون موعد الظل ويسيطرون على الجهة الجنوبية من الحائط متمتعين بظل وارف أثناء التعبئة ، من بعيد هلت علينا ببيجامة حمراء وإيشارب احمر فبدت كقطعة نار تتهادى نحونا ، تقصع مشيتها واهتزاز أردافها بعيد اقتحام مجلسنا الواقف للفرجة منذ مطلع الصبح لملاحقة كل قطع النار القادمة من أي اتجاه أشعلت فينا النار ولن يجدي أي نبع لإطفائها ، ظلت عيون الجميع معلقه بجركنها الأحمر ووسطها المثنى يمينا تارة ويساراً تارة أخرى كأنه أرجوحه هادئة تملؤها ريحاً ناعمة ، ومع أشعة الشمس الساقطة مباشره على لهيب وجهها المشع كانت أرواحنا تتهافت على مساعدتها بأي وسيله مناسبة لتلتقي روحها معنا ونشتعل جميعاً ، الزحام صار هلامياً لا يمكن تمييزه أو السيطرة عليه عندما انبرى فتى الخدمة بجسده الضخم وطوله الفارع ليزيح كتل البشر المتراكمة على الحوض بمنكبيه العريضين وعيونه الصارمة ، ارتجفت الجمرة أمامه وهى تمد يدها بالإناء وهو يمد ذراعا كلوح الخشب الزان ، شعرنا بالشعلة تنطفئ أمام مائه المتدفق من الصنبور وقد غاصت عيونها في عيونه ، واحتوتها جفونه تماماً عندما بدأ أنفه يزفر الدخان بينما الماء يتدفق من فتحه الجركن الذي يفيض بعد امتلائه ، استدارت البنت قليلا وتراجعت خطوتين ترتج تقاسيمها وتنعكس في عيوننا أشعة الشمس الهاربة من فوق موجات ثوبها وينزاح الإيشارب ليحرر شعرها بينما فتى الخدمة يحمل جركنها على كتفه كطفل صغير ويتبعها كنعجة تنساق خلف أمها ، عادت تضع كفيها في جيبيها وتحتضن صدرها بعضديها وغمازات خديها تفوحا انتصارا عندما مرقت من بيننا كانت النار قد شبت فينا كالحطيم .
التصنيف : |
هام : هذا الموضوع ضمن تصنيفات الجريدة يحيى خضر روائع الشعراءضع ابداعك هنايحيى خضر زيارة صفحة الخصوصية
نسخ الرابط
نسخ للمواقع
التعليقات
0 التعليقات

احدث المواضيع

3efrit blogger 

عدد زوارالجريدة

اضغط اعجبني

المواضيع الأكثر قراءة و مشاهدة في كل الوقت

احدث المواضيع

المواضيع الأكثر قراءة و مشاهدة في أخر 30 يومًا

ارشيف الجريدة

جميع الحقوق محفوظة © يحيى خضر
تصميم و تطوير : يحيى خضر
يحيى خضر © 2016