رحلة صيف الوجع _ رائعة فتحى شعابى

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته


رحلة صيف الوجع 

حمل على كتفيه محفضته منتصبا شهم الرجولة والطفولة قد اينعت في وجهه كورد اقبل على الربيع رقص للنحل بين زهر الريحان واﻻقحوان مع خيوط الشمس في ابتسامة صفراء تحاكي نسمات فجر و تكلل الشفق احمرار شقائق النعمان الذي تكسر اوراق زهره بين دهسات حذائه المتواضع والمبلل بقطرات الندى ، صار مع الجدول في اتجاه المدرسة والجدول يسايره في سباق نحو المنحدر انعطف الطريق شماﻻ وهو ينشد انشودة حفضها وقلد صوتها الشجي بامتياز كي يجتاز اﻻمتحان ويتفوق على زمﻻئه ويسعد بكلمة الشكر من مدرسه الذي حفظ على لسانه قافية من بيت شعر رسم خطوطها بدقة على كراسه المحمل على اﻻكتاف وكانه يرسم لوحا من ألواح فن الكتابة لمسابقة الخط العربي . تقلد في مشيه دور البطل والفاتح ومثل بابداع الخيال وبراءة الطفولة فقفز هنا وهناك وعصى الزيتون في يده وبين رجليه كخيل قد اغار صباحا على الخيام فشرد العقل وشرد الريم مع الغزال وهو الزير بمﻻحم بطولته القتالية وهو الرقم الرابح والرقم الصعب التشفيرة وسر همس القوافي وهو مرقد النبل الذي خرق سكون الصمت وتمكن من مكان المكان فسكن حيث اراد ورسم في حلمه اطماع الملوك وثرائهم وحب التملك وقصور على ضفاف نهر الحياة وشعابها .......صار به الحلم حتى وصل الى باحة المدرسة وهناك في الشارع المقابل ينتكس الخيال وتنقلب الصورة وتبدل المفاهيم ويفسخ المخطط بمجرد ان لمح اﻻبن المدلل للعم صالح وهو يسوق سيارته الفخمة ذات الدفع الرباعي يرتبك العقل لبعض الثواني ثم يبدأ في فسخ كل ما سجله ليبدا تخطيط جديد يواكب انعكاس الصورة والحدث لقد ابدل الخيل بالسيارة وابدل مهنته المستقبلية كمهندس معماري الى عامل بالخارج في معمل من معامل الفوﻻذ او جاني ثمار في حقل من حقول الكرز في فرنسا بعد ان تتم رحلة البحث عن الحلم نحو الفردوس المفقود في قارب من قوارب الخربة من شواطئ بن غازي بليبيا في اتجاه الشمال نحو لبادوزا ومنها الى نابولي او ميﻻنو وبعدها قطار يحمله نحو فرنسا هناك حيث ابناء العم وهناك حيث الحلم ........ مرت اﻻعوام وكانها بعض الثواني لن يتمكن عمر من اجتياز دراسته الثانوية ﻻنه كان غير أبه بمستقبله الدراسي يجره منغطيس حلم فردوس الهجرة نحو اوروبا ليصنع غدا افضل وحياة اسعد وثراء واستقرار ويعيش حياة الرخاء عندها استسلم لقارب الموت مقابل بعض المال الذي مكنه ابوه منه بعد بيع بعض من أرضه الفﻻحية . كان عمر محظوظا جدا ﻻنه نجى باعجوبة من محنة سفره في قارب الموت حيث تمكنت فرق اﻻنقاذا اﻻيطالية من نجدته بعد غرق كل من كان معه في القارب والتحق باقرابه بفرنسا بعد بعض اسابيع قضاها بإيطاليا ونفاذ كل ما يملك من نقود ولو ﻻ تدخل بعض المحسنين من الجالية العربية في المهجر لتازمت حالة عمر اكثر وﻻ كان له ان يدفع تذكرة القطار نحو فرنسا. كانت الصدمة بل الدهشة والحيرة والندم والحسرة عندما اكتشف عمر حالة اقرابئه في المهجر والشقاء والتعب والعناء وهم يجمعون الثمار في حقول الكرز والمشمش في خليج الرون عند افرنجي من اصول اسبانية فاحوالهم تشابه العبيد وشقاءهم قد افزعه وانكشفت الصورة الحقيقية للابن المدلل الذي افسد على عمر دراسته وحلمه الطبيعي في بلده وموطنه لقد بداءت الرحلة التعيسة التي فقد فيها عمر هويته وصار يستعير اسماء وهمية حتى ﻻ تتمكن الشرطة الحدودية من ارجاعه الى بلده لو قبضت عليه وصار حلم عمر استرجاع اسمه وهويته وهذا ﻻ يتم اﻻ عند القيام ببطاقة مقيم وهذا ليس باليسير وﻻ بالهين ....................هل يسترجع عمر اسمه وهويته ؟
عمر هو ذاك الشاب الذي لم يسعفه
حظه في بلد اجداده وسعفه حين نجى باعجوبة من قارب الموت في شواطئ لبادوزا اﻻيطالية حيث حمله حلمه الى اﻻستقرار في خليج الرون بفرنسا بمزارع المشمش والكرز والكروم . تمكن من الزواج بمارتين التي تكبره بفارق ما يناهز العشرون سنة ، لن يسعد في زوجته ﻻن اﻻوصاف الذي رسمها له قلبه لم تكن في مارتين بل سعد في بطاقة اﻻقامة الرسمية ورخصة السياقة والسيارة التي اهدتها له مارتين حتى تشتري مشاعره. كان يعمل بجد واخﻻص وعناء ليجمع المال ويحقق اﻻحﻻم ويرجع الى امه غانما ضافرا مع زوجته مارتين ويعرفها على اهله ويفتخر فيها امام ابناء العشيرة ﻻن الشعر اﻻشقر لمارتين قد يغري عيون ابناء سﻻلة المورسكين في خليج سهول مجردة .
جان لوي هو الرجل اﻻشقر ذو اﻻربعين ربيعا يعمل خبير في شركة ﻻنتاج الﻻوائح اﻻكترونية يسكن في بيت فخم تحت ربوة مطلة على نهر الفون له ابنين متزوج من ألكسي التي تعمل سكريتيرة في مخبر . كان الجو ربيعي بامتياز اخذ جان لوي في سيارته الرباعية الدفع كل ما ﻻ يصلح من مخزنه ليبيعه في سوق الخردة بالبلدة المجاورة (مارش) مكوات وروبوت للعصير اشتراهما لزوجته بمناسبة عيد ميﻻدها الخامس والعشرين كل اﻻلعاب القديمة التي ﻻ يريدها ابنه المدلل اﻻقمشة واﻻحذية واﻻت تستعمل لصيانة واخذ مكانه في السوق على شرفة الشارع المطل على المقهى حيث ترشف قهوة مع زوجته. استيقض عمر فجرا على انه ﻻ يصلي الفجر واسرع الى السوق حتى ﻻ يفوته ما قد يشتريه اﻻخرون اي اصحاب القشرة السمراء ﻻنهم يجيدون تلك التجارة ويفتخرون فيها . كان عمر ﻻ يعرف جان لوي بل حاجته هي البضاعة التي سيحملها عند نزوله الى البلد ويبيعها في السوق، تمت الصفقة بنجاح واشترى عمر من جان عديد اﻻشياء ورجع حيث بيته حيث امن ما اشترى في مكانه حيث اكداس سلع الخردة في غرفة من غرف بيته الخاصة لهكذا غرض وذهب للمقهى كي يجتمع باﻻصحاب ويروي مغامرته وصيده الثمين اما جان فاكتفى بما يقابل ال100 اورو كي يشتري هدية ﻻبنه في عيده المقبل بعد بضعة اشهر.
طال اﻻيام وعمر يترقب نهاية الفصل او موسم جني الثمار حتى يرجع مع مارتين بالباخرة على البلد ويستريح من عناء وشقاء العمل المنهك وياكل مع اخوه اﻻصغر (الشخشوخة) ويجلس مع اﻻصدقاء وهو يدخن اﻻرجيلية او الشيشة ويحكي مغمارته وبوطوﻻته ويفضي على شخصيته شخصية الرجل الثري المتميز الذي اسعفه الحظ ونال مراده ودخل جنة اوروبا وسعد فيها وتزوج حورية من حورياتها وهي مارتين ذات الشعر الذهبي والقامة المعتدلة والبياض الناصع .كانت العودة متعبة تاخرت الباخرة قرابة اﻻربعة سعات و لو ﻻ تدخل ابن الخال الديواني في الميناء لكان وصول عمر ليﻻ حيث اخذ الطريق السريعة ووصل بحمد الله وستره الى مسقطه المكان الذي سالت فيه دموع امه وهي تودعه وهو كذلك المكان الذي وجد امه تترقبه على احر الجمر . كان عرسا وفرحا عند اﻻهل وخاصة اﻻم واﻻب حيث نزل عليهم ابنهم المغترب الذي نجى من قارب الموت . لن يبقى لعمر اﻻ ان ينزل على السوق ويبيع بضاعته التي اشتراها من سوق الخردة ويجمع المال كي يشتري قطعة ارض لبناء منزله في بلده اﻻم
رحلة صيف الوجع 
إستيقض عمر من النوم والشفق قد احمر فوق تلة الزعتر المطلة شرقا على منزلهم المتواضع الذي رممه ابوه قبل المجئ حتى يستوفي شروط ضيافته هو ومرتين كيف ﻻ يفرح به والده ؟ وهو اﻻبن الذي يعتبر مصدرا من مصادر الرزق ودين رابح وعمل في طريق الصﻻح حيث ان كل مصاريف العائلة تأتي من حساب عمر البنكي عبر حوﻻت بريدية كل شهر ﻻعانته ،فالبيت اصبح ﻻئقا وجميلا زادته الطبيعة الخﻻبة الساحرة رسما لواح فنيا رائعالفنغوغ .كان عمر منشغﻻ بجمع اﻻدباش المكدسة والتي هي شبه مبعثرة لعدم وجود مكان شاغر بالمخزن لكثرةاﻻكياس فالموسم كان مغدقا بصابة القمح الصلب الذي زرعه ابوه في ضيعتهم ، انشغلت اﻻخت إبتسام باحضار القهوة التي انتشرت رائحتها مع عطر مسك الليل والياسمين الذي سيج الحديقة بكساء بياض كبياض اﻻرز الذي رش على العرسان ،بينما كانت مرتين في نوم عميق ﻻنها سهرت مع شقيقات عمر حتى ساعة متأخرة كان في المزاح والمرح والتعرف على أجنبية أصبحت من العائلة وحملت اسمهم في هويتها الجديدة حسب العرف وقانون الغرب وهي كذلك زوجة اﻻخ الكريم .
ترك عمر محرك سيارته يشتغل حتى يتمكن من الفطور وترشف القهوة ، كان طعم البسيسة او الطمينة مع العسل لذيذا ذكره بأيام المدرسة وفطور الصباح وهو ذاهب مع ابوه الى المزرعة ورائحة الزعتر واﻻكليل فواحة وكرج حجل في الوادي والعم رمضان يصطحب كلبه للصيد
ونساء القرية يتسابقن الى الطريق المعبد الغير بعيد حتى يأخذهن صاحب الضيعة الى العمل في حقول الخضر وجني الرمان والحوامض في سهل مجردة وضفافه الخصبة..
____________________

فتحي شعابي رحلة صيف الوجع
التصنيف : |
هام : هذا الموضوع ضمن تصنيفات الجريدة يحيى خضر روائع الشعراءضع ابداعك هنايحيى خضر زيارة صفحة الخصوصية
نسخ الرابط
نسخ للمواقع
التعليقات
0 التعليقات

احدث المواضيع

3efrit blogger 

عدد زوارالجريدة

اضغط اعجبني

المواضيع الأكثر قراءة و مشاهدة في كل الوقت

احدث المواضيع

المواضيع الأكثر قراءة و مشاهدة في أخر 30 يومًا

ارشيف الجريدة

جميع الحقوق محفوظة © يحيى خضر
تصميم و تطوير : يحيى خضر
يحيى خضر © 2016